قالت الكاتبة مليكة صالحة : "بعد سنوات من الجمود المؤسسي، اختار لبنان رئيسًا جديدًا، لكن بدلاً من التوجه نحو المصالحة الداخلية والاستقرار الوطني، تبدو حكومة جوزيف عون وكأنها تدفع البلاد نحو مواجهة داخلية بإيعاز مباشر من واشنطن والرياض".

وافق مجلس الوزراء اللبناني مؤخرًا على خطة لنزع سلاح حزب الله وحركة أمل بحلول نهاية العام، وفقًا لمقال تشر للكاتبة على موقع ميدل إيست مونيتور.

في بلد يمثل فيه الحزبان ليس فقط فصائل مسلحة بل مؤسسات سياسية واجتماعية راسخة، وترتبط صورتهما في أذهان كثيرين بالمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، تُعد هذه الخطوة استفزازًا سياسيًا للطائفة الشيعية المهمشة تاريخيًا، وليس تعبيرًا عن السيادة الوطنية.

ليست هذه الحملة نتاج توافق لبناني داخلي، بل نتيجة ضغوط دولية متواصلة.

في أغسطس، حذرت واشنطن من أن فشل الحكومة اللبنانية في الالتزام بالخطة سيعرض وقف إطلاق النار الهش مع إسرائيل للخطر، رغم خروقاته المتكررة بفعل الغارات الجوية الإسرائيلية، خاصة في الجنوب.

مع ذلك، اختارت الحكومة الانحياز إلى الخارج بدلًا من الحفاظ على التوازن الداخلي.

بعد مشاورات مع دبلوماسيين أمريكيين وسعوديين، قررت حكومة عون معاملة أقوى فاعل غير رسمي في البلاد كأنه تهديد داخلي، متجاهلة الفراغ المؤسسي الذي سمح بنشأته أساسًا.

التحرك يتزامن مع ضعف حزب الله عسكريًا بعد حربه الأخيرة مع إسرائيل. قُتل عدد من قادته، ودُمّرت مخازن أسلحته، وتقطعت طرق الإمداد، خصوصًا بعد تراجع نفوذ نظام الأسد في سوريا.

الخسارة الأبرز كانت سياسية، بمقتل الأمين العام حسن نصر الله في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في سبتمبر 2024.

خليفته الشيخ نعيم قاسم يفتقد الشرعية العابرة للطوائف التي ميزت نصر الله، ما اعتبرته الدول الغربية فرصة لتفكيك الحزب سياسيًا لا عسكريًا.

ما يحدث في بيروت ليس مجرد محاولة لاستعادة سلطة الدولة على السلاح، بل عملية إقصاء ممنهج لتيار سياسي كامل طالما تصدى للهيمنة الغربية والإسرائيلية في المنطقة. ويبدو أن “الإصلاح المؤسسي” هو الغطاء الرسمي لذلك.

قبل أن يعلن عون ملامح سياسته الخارجية، ظهرت صورته إلى جانب ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان على لافتة في تل أبيب تروج لتحالف جديد باسم “تحالف أبراهام”، في إشارة رمزية واضحة إلى توجهات الحكومة الجديدة.

لكن هذه التوجهات لا تراعي الواقع اللبناني المعقد. الطائفة الشيعية تشكل غالبية نسبية الآن، لكنها لا تزال مستبعدة من السلطة التنفيذية، إذ تظل الرئاسات الثلاث موزعة بين الموارنة (الرئاسة) والسنة (رئاسة الحكومة) مع تخصيص رئاسة مجلس النواب للشيعة، لكنها منصب بلا فاعلية دون غالبية تشريعية.

وفي ظل هذا الغياب، تحوّل حزب الله إلى فاعل يوفر الأمن والخدمات الأساسية للبنانيين، لا سيما بعد دمار الحرب، في حين عجزت الدولة عن تقديم أبسط مقومات الحماية.

التوجه لنزع سلاح حزب الله دون توفير بديل سياسي أو مؤسسي يعمّق الإقصاء، ويفاقم هشاشة الوضع الأمني. احتجاجات الضاحية والجنوب والبقاع في الأيام الأخيرة تعكس رفضًا شعبيًا واسعًا لهذا المسار.

في خطابه الأخير في 5 أغسطس، وصف الشيخ قاسم هذا القرار بأنه “خطيئة جسيمة”، محذرًا من أنه ينسف التوافق الذي أُرسِي في اتفاق الطائف، ويهدد بتفجير التوترات الطائفية.

وليست هذه أول مرة يجرب فيها لبنان هذا النهج. في 2008، حاولت الحكومة تفكيك شبكة اتصالات الحزب، فرد الأخير بمواجهات مسلحة وصفها نصر الله حينها بأنها “إعلان حرب”.

يبدو أن الحكومة تسلك المسار نفسه اليوم.

المفارقة أن من يُتهم بزعزعة الاستقرار هو الحزب، بينما الخطر الحقيقي يكمن في قيادة سياسية مستعدة للتضحية بالوحدة الوطنية من أجل رضا الخارج.

الجيش اللبناني الذي بالكاد يحمي الحدود، يُطلب منه الآن نزع سلاح الحزب الوحيد الذي واجه الاعتداءات الإسرائيلية فعليًا.

كيف يُتوقع منه تنفيذ هذه المهمة دون موارد أو دعم دولي أو غطاء شعبي؟ لا دعم مالي ولا تجهيزات، بل رسالة واحدة: نفذوا أو تُركتم وحدكم.

يحذر جوزيف ضاهر، مؤلف كتاب "حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله" في تصريح لصحيفة الجارديان، من أن هذا النهج لن يؤدي إلى توحيد وطني، بل سيزيد التفاف الطائفة الشيعية حول حزب الله وأمل.

لبنان لا يسير نحو السلام، بل يُجرّ إلى هشاشة داخلية وتوترات إقليمية متزايدة.

ورغم أن مصطلح "حرب أهلية" قد يبدو مبالغًا، إلا أن الواقع ينبئ باحتمالات تصعيد عنيف، لا بسبب الانقسامات الداخلية وحدها، بل بسبب سلطة رسمية باتت خاضعة لعواصم أجنبية على حساب مصالحة وطنية غائبة.

http://https://www.middleeastmonitor.com/20250808-beiruts-compliance-with-the-us-risks-a-new-internal-conflict-amidst-the-ongoing-war-with-israel/